برزت في تركيا في السنوت الأخيرة في مجال زراعة الشعر ظاهرة ما يعرف بالمتخصصين specialists. وهم عبارة عن مساعدين طبيين (أو بالأصح مساعدات طبيات) عملن في فرق طبية و اكتسبوا خبرة لسنوات عديدة مع أطباء زراعة شعر.

حتى العام 2004، كانت العيادات في تركيا، كما في كثير من أنحاء العالم، تجري عمليات زراعة الشعر بتقنية الشريحة الجراحية، والتي وبالرغم من نتائجها الجيدة تتسبب في وجود ندبة خطية في المنطقة المتبرعة الخلفية من الرأس من الأذن إلى الأذن، لاتزول مستقبلاً. لذلك فضل غالبية المرضى عملية الزرع بتقنية القطف، التي حسب اعتقاد الكثيرين لا تترك أية ندوب.

مع انتعاش سوق زراعة الشعر في تركيا، أخذت المنافسة تزداد بين العيادات والأطباء، وأضافت غالبية عيادات التجميل إلى نشاطها زراعة الشعر، على اعتبار أنها أكثر عملية يلجأ إليها الذكور، بالإضافة لنسبة غير قليلة من الإناث.

كان من المفترض أن تولد هذه المنافسة الشرسة ارتقاءً في مستوى زراعة الشعر مع الحفاظ على التكلفة في مستويات معقولة. لكن للأسف أن  الذي حدث أن اختار الكثيرون عرض أسعار رخيصة دون الاهتمام بمستوى الجودة.

نقطة التحول في هذا التوجه كانت الصدى الكبير لعمليات زراعة الشعر بدون جراحة أي بتقنية القطف. بالإضافة إلى مميزاتها السابقة، فإنها تحتاج إلى فريق طبي صغير مقارنة بتقنية الشريحة الجراحية. كما أن حقيقة عدم استخدام مشارط ولا تقطيب للجرح وسهولة عملية القطف من حيث الممارسة (لا النتيجة) قللت كثيراً من احتمال وجود مضاعفات صحية، مما أتاح الفرصة للكثيرين للدخول في هذا المجال بدون المعرفة الضرورية.

وفي ظل عدم وجود الرقابة الكافية، والتطبيق الفعلي لقانون المهن الطبية، قامت الكثير من العيادات بإدخال عمليات زراعة الشعر بتقنية القطف بالاستعانة  بمساعدات طبيات ذوات خبرة في عيادات معروفة، ليقمن بإجراء زراعة الشعر بتقنية القطف بأسعار رخيصة للغاية ليدفعها المريض قد لا تتجاوز 1000 يورو. على أن يقوم طبيب التجميل المرخص بإجراء الاستشارة والكشف والتوقيع على أوراق العملية لتأخذ الشكل القانوني. غياب الرقابة شجعت الكثير من المساعدات الطبيات بالسير في نفس النهج، فأصبحن  يقمن بالتعاقد مع مستشفيات لحجز غرف العمليات لإجراء عمليات الزراعة فيها، يقوم بالتوقيع على المستندات الرسمية طبيب أيضاً.

الإقبال الكبير على عمليات زراعة الشعر رخيصة التكاليف، قلل كثيراً من فرص كثير من الأطباء الذين يجرون الزراعة بأسعار حقيقية من الحصول على نسبة إشغال كاملة لعياداتهم، مما اضطر البعض منهم لتقديم تنازلات مهنية، بعرض عمليات زراعة شعر رخيصة بواسطة الفريق الطبي التابع له، بينما يقوم هو بدور الإشراف، مما يمكنه من إجراء ثلاث أو أربع عمليات زراعة في اليوم الواحد.

ما هو الدور الذي يؤديه كل من الجراح والمساعدين الطبيين في عملية زراعة الشعر؟

لكي نعرف حجم الخطر الذي نعرض له بصيلات الشعر التي أقل ما يمكن أن نقول عليها أنها (ثمينة وغير قابلة للتعويض) ينبغي أن نكون ملمين أولاً بمراحل العملية بتقنية القطف محور الموضوع) وبالدور الذي يقوم به كل من الطبيب والمساعد الطبي:

  1. يقوم الطبيب أو المساعد الطبي بحلق الرأس. في حالة استخدام تقنية القطف المتناثر FUE Patchy، الطبيب هو من يقوم بحلق المناطق التي سيقوم بالقطف منها.
  2. يقوم الطبيب بتخدير المنطقة المتبرعة والمستقبلة.
  3. يقوم الطبيب بعمل الفتحات في المنطقة المستقبلة لغرس الطعوم، ويجب أن يكون إتجاه الفتحات حسب الشعر الموجود، لأنها تؤثر في اتجاه الشعر بعد النمو.
  4. يقوم الطبيب بعزل وحدات البصيلات ثم قطفها بواسطة المثقاب Punch، ويكون قطره مختلفاً من شخص لآخر، ويتراوح مابين 0,7 ملم إلى 0,9 ملم، وفي بعض الأحيان يصل إلى 1 ملم.
  5. يقوم الطبيب بقطف البصيلات واحدة بواحدة ووضعها في مجموعات وتسليمها للمساعدين الطبيين للعمل على إعدادها تحت المجهر.
  6. يقوم المساعدين الطبيين (واحد إلى إثنين) بإعداد البصيلات للزراعة تحت المجهر لتكون جاهزة للغرس.
  7. يقوم المساعدين الطبيين وتحت إشراف مباشر من الطبيب (ومشاركته في بعض الأحيان) بغرس البصيلات في المناطق المستقبلة، حيث من الضروري وجود الطبيب للتأكد من غرس الطعوم حسب الاتجاه المطلوب.

(الخطوتان الرابعة والخامسة تعتبران من أهم مراحل العملية التي تؤثر بصورة كبيرة في نسبة الفقدان بسبب القطع Transection Rate، وكذلك في استنزاف المنطقة المتبرعة إذا لم تجرى بالكفاءة المطلوبة، لذا من المهم أن يكون الطبيب نفسه كفؤاً في تنفيذهما.)

يذكر الكثير من القائمين على عيادات زراعة الشعر في تركيا أن بإمكانهم زراعة حوالي 5000 بصيلة في جلسة مدتها 6 ساعات فقط، وأنهم يستخدمون شعر اللحية والصدر بنجاح كبير!!! مع العلم أن الزراعة من شعر الجسم من أكثر العمليات صعوبة وإثارة للجدل، وأذكر أنني سألت بعض جراحي زراعة الشعر العالميين في مؤتمر الجمعية العالمية لزراعة الشعر في أكتوبر 2012، عنها فأفادوا بكل تواضع أنه من الصعب التكهن بالحصول على نتيجة وبالتالي لا يقومون بالمغامرة. لذلك القليل جداً من الجراحين يقومون باستخدام شعر الجسم في حالات الضرورة، بعد تجربته للتأكد من إمكانية نموه.

لماذا يجب أن أجري العملية لدى جراح؟ ما هي الأضرار المحتملة عند الخضوع لعمليات زراعة الشعر بواسطة المختصين :

  1. عملية زراعة الشعر بتقنية القطف كسائر العمليات الجراحية، على الرغم من الترويج لها باللغة العربية على أنها غير جراحية، حيث أن المصطلح المستخدم في الإنجليزية Non-invasive، وهو لا يشير إلى أنها غير جراحية. لذلك ليس هناك من يقبل أن يدخل غرفة عمليات ليعمل عليه شخص غير مرخص طبياً.
  2. طبيب الجراحة التجميلية دارس للتجميل، ولديه المقدرة على إتخاذ القرار المناسب لكل حالة، كما أنه يعمل على تطوير نفسه في المجال الذي يعمل به، لكن المساعد الطبي ينفذ ما رأى الجراح يقوم به عندما كان مساعداً له.
  3. من مشاهداتنا للنتائج وجدنا أن خط الشعر الأمامي في العمليات التي أجريت بواسطة “الإسبيشاليست” غير طبيعي، من السهل أن تعرف أن هذا الشخص أجريت له زراعة شعر، بعكس الجراحين. كما أننا لاحظنا على الكثيرين ممن أجريت لهم عمليات بواسطة “الإسبشاليستس” أن المنطقة المتبرعة لديهم استنفدت بصورة مهولة على الرغم من أن عدد الطعوم المزروعة لا يتجاوز الألفين أو الثلاثة آلاف طعم فقط. في حين أن المنطقة المتبرعة في فروة الرأس يمكن أن توفر في المتوسط حوالي ستة آلاف إلى ثمانية آلاف بصيلة، تمكن من الزراعة مرتين أو ثلاث مرات.
  4. عدم إمكانية التعامل مع كل مريض كحالة منفردة من حيث قطر الشعرة، إتجاه الشعر داخل فروة الرأس، تموج الشعر، المسافة بين جذور البصيلات، بالإضافة للإجهاد الذي تتعرض له المنطقة المتبرعة (4000-5000 بصيلة في ستة ساعات فقط)، كلها عوامل تسبب في عواقب وخيمة من حيث النتيجة وصحة المنطقة المتبرعة.
  5. عدم وضع خطة مستقبلية للمريض، وبالأخص صغار السن، يؤدي إلى الحصول على نتائج مؤقتة. حيث أن عملية تساقط الشعر عملية مستمرة، يجب على الطبيب وضع أسوأ الاعتبارات لمستقبل المريض: فإذا كان المريض لديه تساقط من الدرجة الثانية على مقياس نوروود، فيجب على الطبيب أن يضع في الحسبان أن المريض قد يصل للدرجة الخامسة أو السادسة في غضون سنوات، فيقوم بالتغطية باعتدال في التعامل مع خط الشعر الجديد والتغطية بكثافة معقولة، حتى لا يستنفد المنطقة المتبرعة.
  6. يجب الإنتباه للعلاجات التي تعطى بعد العملية. كثير من الأطباء والإسبشاليستس يصفون لمرضاهم بعد العملية دواء الفايناسترايد (البروبيشيا) على أساس أنها جزء من العلاج، بدون اطلاعهم على خطورة استخدامه. البروبيشيا علاج ثوري، يقلل من تساقط الشعر بنسبة كبيرة ويزيد من كثافته أيضاً. بعد ستة أشهر من الاستعمال ستجد أن شعرك تحسن بصورة كبيرة حتى لو لم تجري عملية زراعة شعر. يعتقد المريض بعد مضي هذه الفترة أن الزراعة حققت نجاحاً، لكن الحقيقة أن البروبيشيا هي التي أدت لهذا النجاح. لسنا ضد استخدام البروبيشيا، فهي أفضل علاج دوائي لتساقط الشعر، ولكن نسبة للآثار الجانبية على الأداء الجنسي وكمية السائل المنوي للرجال، واحتمال تأثر الجنين في حالة حمل المرأة، التي لم ينفيها السيد/ ميرك صاحب الشركة المصنعة نفسه، فينبغي للجراح أن يطلع المريض صراحة على الآثار الجانبية المتوقعة. لذلك ننصح من يستخدمها أن يقوم بمراجعة طبيب أمراض تناسلية، وعمل فحوصات دورية للسائل المنوي ونسبة هرمون التستستيرون أثناء الاستعمال كل شهر أو شهرين، وإيقاف الاستخدام لمدة أسبوعين على الأقل في حالة نية الإنجاب. وإذا لاحظ الشخص المستخدم للبروبيشيا أي من الآثار الجانبية أعلاه فيجب إيقافها فوراً ومراجعة الطبيب المختص.
  7. صور قبل وبعد التي تضعها العيادات في مواقعها، أو تقوم بإرسالها للراغبين في زراعة الشعر، تمثل عاملاً مؤثراً في إاتخاذ القرار بالنسبة للمريض. ينبغي على المريض أن ينتبه جيداً لهذه الصور. يجب أن يكون الشعر مصففاً بحيث تظهر منابت الشعر في خط الشعر الأمامي، استخدام المشط لرفع الشعر في الخط الأمامي يظهر بوضوح طبيعية النتيجة، بينما تصفيف الشعر للأمام وخفضه يهدف إلى إخفاء سلبياتها. الإضاءة يجب أن تكون قوية، المسافة قريبة، دقة الصورة عالية تظهر الشعر شعرة شعرة، عدم استعمال الصبغة أو مواد التغطية التجميلية Cosmetic Coverups، مثل التوبيكوالكابوكي وغيرها. وجود صور تخالف هذه المواصفات تعطي المرضى فكرة مغلوطة عما يمكن أن تصنع زراعة الشعر، فترى في الكثير من الصور قبل الزراعة منطقة صلعاء من الدرجة الخامسة أو السادسة وبعد الزراعة تغطية كاملة بعد جلسة أو جلستين، مما يجعل المستحيل حقيقة. وعندما تنظر لمواقع زراعة الشعر لأطباء عالميين، تجد أن النتائج مقبولة أو عادية، فيتساءل الراغب في زراعة الشعر: لماذا أدفع مبالغ كبيرة في حين أنني يمكن أن أحصل على نفس النتيجة أو أحسن منها ب10% فقط من التكلفة. الفرق يكمن في أن هذه الصور حقيقية، لأن هناك مصداقية وهناك رقابة ومحاسبة.

مثلاً، إذا عرضت عليك عيادة زراعة 4000 طعم، وأردت معرفة المساحة التي يمكن تغطيتها بهذا العدد، فلنفرض أن الكثافة ستبلغ تقريباً 30 وحدة بصيلة في السنتمتر المربع الواحد (حوالي 50% أو أقل من الكثافة الطبيعية). إقسم 4000 على 30 ستحصل على مساحة 133 سم مربع. أي 13 سم طولاً و10 سم عرضاً.

لماذا يقبل من لديه المداخل المالية على مثل هذه العيادات الرخيصة؟

تتباهى العيادات التي تقدم زراعة شعر رخيصة وجودة ضعيفة بأن أكثر من 90% من مرضاها من الخليجيين، لذلك أصبح التركيز على هذه المنطقة، فأصبح إنشاء موقع إنترنت باللغة العربية أهم من اللغة التركية والإنجليزية. كما أصبح التسويق موجهاً إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط بكثافة.

الحمدلله أن شبابنا في الشرق الأوسط لم يعد بعيداً عن تقدم تكنولوجيا الإنترنت، حيث أصبح الكبير والصغير على دراية تامة باستخدام التقنيات على الحاسوب والهواتف الذكية، مما قصر الطريق للكثيرين للوصول إلى كل المعلومات الخاصة بعمليات زراعة الشعر. ولكن منتديات الإنترنت تلعب دوراً كبيراً في توجيه الأشخاص الراغبين في الزراعة. فبعد البحث في مواقع العيادات، يجد المريض نفسه محتاراً، حيث أن كلها تتحدث بنفس الطريقة عن جودة عملياتها واستعمالها للتقنيات الأحدث، فالفيصل بالنسبة له هو نتائج مرضى سابقين إما عن طريق المنتديات أو التواصل المباشر Word of Mouth. للأسف أن المنتديات يدخلها الكثير من غير المحايدين، الذين يعملون لحساب عيادات معينة، بشخصيات وهمية، فيشيدون بطبيب أو عيادة ويقللون من شأن عيادات أخرى من خلال الحديث عن تجارب غير واقعية، ويقومون بإلقاء اللوم على من يدفع مبلغ كبير نسبياً لطبيب معروف، حتى قبل أن يشاهدوا نتيجته.

وفي نفس السياق هناك من أجريت لهم عمليات زراعة، وحصلوا على نتائج مخيبة، ولكنهم فرحون بالنتيجة. لقد قابلت شخصيأ الكثير من مثل هولاء الاشخاص الذين يعتقدون أنهم حصلوا على نتيجة ممتازة ولايدرون أنه كان بالإمكان الحصول على أفضل من ذلك بكثير. و مما يؤسف له أنهم ينصحون الآخرين بنفس الطبيب أو العيادة، وأنه ليس هناك داعي لأن تدفع مبالغ يعتبرونها طائلة بدون سبب وجيه.

من المفارقات أن الكثير من الميسورين مادياً يقبلون على انفسهم الجلوس تحت رحمة مساعدين طبيين وأطباء غير أكفاء بسبب التكلفة القليلة لعملية زراعة شعر يدوم أثرها مدى الحياة، بينما لا يرضون أن يقتنوا أقل من السيارات الفاخرة يقومون بتغييرها كل سنتين أو ثلاث مع أن سعر السيارة قد يتجاوز عشرة أضعاف سعر عملية زراعة شعر لدى طبيب عالمي متمرس.هل يتخيل الراغب في زراعة الشعر نظرة الطبيب الذي يجري الاستشارة ثم يرسله إلى مساعدة طبية لتعمل على رأسه؟ أليس في هذه النظرة تقليل من الشأن واستخفاف؟ وماذا إن علم أن هذا المريض لديه من المداخل المالية أضعاف ما يملك الطبيب نفسه؟

نعم هناك من لا تتوفر لديهم المداخل المالية الكافية للحصول على زراعة شعر بمستوى جيد لدى طبيب كفء، فيضطرون للبحث عن السعر الأرخص، وهو فعلياً أرخص لحظياً ولكن مكلف للغاية على المدى البعيد، لأن إجراء عملية زراعة لمريض أجريت له عملية سابقة فيها كثير من المصاعب مثل محدودية المنطقة المتبرعة. فنحن ننصح هؤلاء بالتريث، أو حتى زراعة عدد قليل من الطعوم لدى طبيب معروف، فزراعة 1000 بصيلة لدى جراح متمرس افضل من زراعة 4000 بصيلة لدى مساعد طبي أو طبيب غير متمرس، فمن ال1000 بصيلة سينمو على الأقل 900 بصيلة، وستنقص المنطقة المتبرعة ب1000 بصيلة فقط، أما في حالة المساعد الطبي لن يتجاوز العدد 2000 بصيلة، وستفقد المنطقة المتبرعة أكثر من 5000 بصيلة لأنهم فعلياً يقتطفون مثل هذا العدد.

قل للقائمين على العيادات أنك ستدفع مبلغاً وتأخذ إجازة من العمل، وستتكبد عناء السفر وفترة أسبوعين عناية فائقة بالطعوم المزروعة، لذلك من حقي أن يقف على رأسي لإجراء العملية جراح مرخص وليس أي أحد، وقل لنفسك أنني أستحق ذلك.

للأسف هذه الممارسة موجهة للخليجيين، الذين هم وبحمد الله ميسورين أكثر من شعوب أخرى كثيرة تعاني للحصول على لقمة العيش، فلنمارس حقنا و نشترط ألا يجري العملية إلا طبيب مرخص ونطلب رؤية شهاداته قبل العملية، وبإذن الله خلال فترة قليلة ستجد أن الحال تغير تماماً.